افهم تجنّبك!
●
●
12 دقيقة للقراءة
●
––– مشاهدة
للتّجنّب علاقةٌ وثيقةٌ في رغبتنا بالسّيطرة على مشاعرنا وعلى سير الأمور من حولنا، ويمكن أن يكون له عواقب غير مقصودةٍ ولم تكن في الحسبان.
يوفّر لك التّجنّب راحةً مؤقّتةً من الشّعور ربّما بالقلق أو العار أو مشاعر أخرى غير مريحة، وهذا شكلٌ من أشكال التّحكّم العاطفيّ الذي يمكن أن يقودك إلى حياةٍ سليمةٍ في حال استخدمت شعورك لتغيير مسارك يعني كإشارةٍ ضوئيّةٍ تُعلِمُك أنّك في الاتّجاه الصّحيح أم لا، أمّا إذا كان التّحكّم العاطفيّ لا يتعدّى كونه وسيلةً لكنس المشاعر غير المرغوب بها وإخفاءً لها تحت البساط هنا يمكن أن يكون للتّحكّم في الأفكار والمشاعر عواقب غير جيّدة وغير مقصودة.
يمكنك البدء في التّخلّي عن حالات التّحكّم غير الضّروريّة في حياتك عن طريق تحديد المكاسب والخسائر من تجنّبك لأمرٍ ما يعني ما لفاتورة التي ستدفعها لاحقاً ثمناً لذلك التّجنّب!
الموضوع كلّه يدور حول إمكانيّة العيش بشجاعة، يتعلّق الأمر أيضاً بالتّعّرف على أنماط التّجنّب الخاصّة بك، يعني انتبه لسلوكك متى تتجنّب وراقب نفسك جيّداً ماذا تفعل، ثم قم بشيءٍ مختلفٍ تماماً، لكن أوّلاً عليك أن تتعرّف على آليّة عمل التّجنّب وكيف يحدث.
أنت تقوم بالفعل ، تحصل على شيءٍ ما شعور أو نتيجة ، على إثره تكرّر الفعل أو تتجنّبه.
هنالك عبارةٌ بسيطةٌ لفهم السّلوك البشري: أنت تقوم بالفعل ، أنت جنرال الكتريك أنت مدير عمليّات نفسك. عندما تبقى في المنزل ، لا داعي للقلق بشأن ما سيفكّر فيه النّاس عنك في تلك الحفلة التي قرّرت عدم الذّهاب لحضورها. عندما تشعر بالقلق ، فإنّك تتناول مشروباً وتخفّف من ذلك الشّعور.
عندما تشعر بالحزن ، تبدأ في تصفّح الإنترنت على هاتفك ، ويتلاشى الحزن تدريجيّاً وراء الصّور والمشاهد والأخبار. عندما تشعر بالأذى أو الضّعف ، فإنك تصرخ في وجه شريكك وتشعر بتحرّرٍ بسيطٍ مؤقّتٍ من الغضب.
الأشياء التي تحصل عليها مهمّة - فهي تحدّد ، جزئيّاً على الأقلّ فيما إذا كنت ستقوم بتكرار الأمر مرّةً أخرى أو ما إذا كنت ستتوقّف.
إذا كان الشّرب في المواقف الاجتماعيّة يخفّف من شعورك بالحرج أو الانزعاج ،فمن المرجّح أن تستمرّ في الشّرب، و إذا كان تجنّبك الحفلة يقلّل من قلقك ، فمن المرجّح أن تتجنّب التّفاعل الاجتماعيّ بطرقٍ أخرى أيضاً - مثل عدم الرّد على مكالمات أصدقائك ، وعدم الرّد على الدّعوات المرسلة عبر البريد الإلكتروني ، وما إلى ذلك.
التّجنّب يعمل… إلى حدّ ما
التّجنّب يعمل بشكلٍ جيّدٍ في بعض الأحيان، فعندما تتجنّب تحصل على وقتٍ مستقطعٍ للّعب براحةٍ قبل أن يداهمك الشّعور بعدم الرّاحة وهذه المساحة الزّمنيّة تحقّق لك مكسباً مؤقّتاً لكنّها ستطالبك بدفع فاتورة التّوقّف فيها لبرهةٍ لاحقاً.
تعال معي لأشرح لك كيف تسير الأمور معك: عندما تماطل في دفع ضرائبك ، فإنّك تتخلّص من القلق الذي يظهر عندما تواجه حياتك الماليّة، إذا لم تتحدّث في اجتماع عمل وتبدي رأيك ، فستحصل على حرّيّةٍ مؤقّتةٍ من القلق بشأن رأي زملائك في أفكارك، لكن من الواضح أنّ هناك فاتورة سوف تدفع في مكانٍ ما، فمماطاتك في دفع ضرائبك قد تشعرك بالرّهبة المستمرّة كلّما فكّرت فيها، وإذا لم تتحدّث مطلقاً في العمل ، فنادراً ما تكون أفكارك الرّائعة جزءاً من المحادثة ، وقد تصبح أكثر قلقاً بشأن ما يفكّر فيه النّاس بمرور الوقت لأنّك لا تحصل على أيّة ملاحظاتٍ أبداً تساعدك في تقييم أفكارك.
هل يمكنك أن ترى كيف أنّ التّجنّب يتعلّق حقّاً بالسّيطرة؟ كبشر ، نحن نحبّ السّيطرة. عندما تتجّنب الأشياء ، يمكنك ممارسة قدرٍ من السّيطرة على كلّ تلك الأمور غير المريحة من خلال الابتعاد عن المواقف التي قد تثيرها، لكن التّحكم ، وخاصّةً التّحكّم من خلال التّجنّب ، لا يعمل حقّاً كما نعتقد.
السّيطرة على الخارج مقابل السّيطرة على الدّاخل
تنصّ النّظريّة على أنّنا نمتلك حرّيّة تحديد الموقع ، أو المكان المسؤول عن السّيطرة ، إمّا خارجيّاً أو داخليّاً، إذا حدّدنا غرفة التّحكّم والسّيطرة خارجيّاً ، فمن المحتمل أن نلوم الظّروف والقدر والحظ والصّدف على النّتائج، أمّا إذا وضعنا غرفة التّحكّم و السّيطرة داخلنا ، فمن المحتمل أن نقتنع بالنّتائج أكثر ونرضى بها لأنّنا نتحمّل مسؤوليتها.
هناك فرق بين التّحكّم في الأشياء خارج رؤوسنا (في العالم الخارجيّ) مقابل التّحكّم بالأشياء داخل رؤوسنا، مثلاً يمكننا التّحكّم في الكثير من الأشياء في بيئتنا المباشرة إذا كانت الغرفة مظلمة للغاية ، يمكنك فتح السّتائر أو تشغيل الإضاءة، إذا كان هناك أوساخ على الأرض ، يمكنك كنسها، طبعاً بافتراض عدم وجود اختلافاتٍ جسديّةٍ قد تعترض طريقنا ، يمكننا بسهولة التّحكّم في ما نفعله بأيدينا وأقدامنا وأصواتنا…. إذا كنت بحاجةٍ إلى المشي عبر الغرفة ، فما عليك سوى القيام بذلك.
ومع ذلك ، فإن الأشياء التي بداخلنا ليست دائمًا قابلة للتّحكّم المباشر، مثلاً إذا طلبت منك ألا تفكّر في دبّ أبيض لمدة 60 ثانية ، ماذا تعتقد أنّه سيحدث؟ ليس عليك التّفكير كثيراً للحصول على الإجابة: قد تفكّر أكثر في الدّببة البيضاء نعم وقد أثبتت التّجارب صحّة هذا الأمر وهناك مجموعةٌ كاملةٌ من الأبحاث لتأكيد هذه الظّاهرة.
التّحكّم: هل هو نعمة أم نقمة ؟
إذا كان التّحكمّ في الأشياء ضمن بيئتنا الخاصّة لا يعمل بالطّريقة التي نريدها ، فلماذا نستمرّ في محاولة القيام بذلك؟ هل هو خطأ في أصل برامج تصميمنا؟ أو ربّما يكون مجرّد امتدادٍ لشيءٍ قمنا بتطويره على مدار تاريخنا كجنسٍ بشريّ: وهو تجنّب التّهديدات!
نحن البشر في قمّة السّلسلة الغذائيّة، لكن ليس لدينا أسنان أو مخالب حادّة، نحن لا نجري بسرعةٍ كبيرةٍ، ومع ذلك ، يمكن القول إنّنا أكثر الحيوانات المفترسة نجاحاً في العالم مجازاً طبعاً- لقد استبدلنا الأجزاء المدبّبة والمخالب والأنياب للحصول على أقوى سلاحٍ على الإطلاق - قشرة الدّماغ إنّها ميّزةٌ رائعةٌ لدينا تتيح لنا القيام بجميع أنواع التّفكير المجرّد والتّخطيط وحلّ المشكلات، كما تسمح لنا بالتّفكير في الماضي والمستقبل والتّعلّم بشكلٍ غير مباشر من القواعد العقلية ، بدلاً من التّجربة المباشرة والحمد لله! وإلا فيتعيّن علينا أن تصطدم بنا سيّارةٌ كي نتعلّم كيف ننظر في كلا الاتّجاهين قبل عبور الشّارع.
المشكلة الوحيدة هي أنّ ما نعتبره تهديداتٍ اليوم يختلف عمّا كنّا نعيشه في العصر الحجريّ.
عواقب غير مقصودة
لا تكمن المشكلة في أنّ التّحكّم لا يعمل بالطّريقة التي نأمل أن يعمل بها، هناك عواقب أخرى أيضاً، فكلّما حاولنا إحكام سيطرتنا على أمرٍ قلّ الاهتمام الذي يمكننا أن نوليه لأمورٍ أخرى في العالم الخارجيّ، و كلّما حاولنا تجنّبها زادت الحاجة إلى تجنّبها أكثر،وتصبح حياتنا أصغر وأصغر.
ما هو البديل؟ هل سمعت عبارة "اشعر بالخوف ولكن افعل مايخيفك على أيّ حال"؟
تمرين صغير جدّاً (ضع خريطةً لتكلفة التّحكّم)
على دفتر ملاحظاتٍ صغيرٍ اكتب شيئاً ما تعاني منه وتتجنّبه يجب أن يكون شيئاً يسبّب لك ألماً في المعدة قليلاً لدى التّفكير فيه ، وشيئاً ربّما تحاول ألا تفكّر فيه كثيراً.
ما هي الأفكار أو المشاعر التي تلاحظها عندما تفكّر في هذا الصّراع؟ قلق؟ عار؟ أفكار مثل ، "أنا لست جيّداً بما يكفي"؟ اكتب كلّ ما تلاحظه ويطفو على السّطح.
ما هي بعض الإجراءات التي اتّخذتها لمحاولة إصلاح هذه الأفكار والمشاعر أو ماذا فعلت من أجل حلّها أو التّخلّص منها؟ يمكن أنّك قمت ببعضٍ مما يلي: التّسويف ، وتجنّب التّعرّض للضّعف مع الآخرين بشأن ذلك ، والابتعاد عن المواقف التي قد تذكّرك بها ، وانتقاد الآخرين ، وما إلى ذلك، مهما حاولت ، اكتب كلّ الأشياء التي جرّبتها يمكن أن تكون أشياء نسمّيها عادةّ بأنّها "غير صحّيّة" بالإضافة إلى أشياء نسمّيها عادةّ "صحّيّة".
ما هي بعض الحيل الذّهنّيّة التي حاولت التّعامل معها؟ يمكن أن تكون هذه أشياء مثل: حلّ المشكلات ، محاولة معرفة "لماذا؟" ، انتقاد نفسك ، القلق ، التّفكير "إذا فقط ..." ، التّفكير في "ماذا لو؟" ، تخيّل تغييرات كبيرة في حياتك ، وربما تخيّل أنّك لست على قيد الحياة حتّى!
الآن ، ضع دائرةً حول كلّ شيء يمكن أن يعمل ويفيد على المدى القصير ، على الأقلّ قليلاً ، لتهدئة هذه الأفكار والمشاعر.
ضع نجمةً على كلّ ما يعمل على المدى الطّويل. أخيراً ، ضع خطّاً تحت كلّ ما يقرّبك من حياةٍ حيويّةٍ وذات سعة و مغزى أكبر ماذا تلاحظ؟ اكتب ملاحظاتك في دفتر ملاحظاتك.
إليك ما نأمل أنّك تلاحظه بعد قيامك بهذا التّمرين: أنّ كلّ شيءٍ تقريباً يعمل قليلاً على المدى القصير. تذكّر: أنت تفعل ، ثمّ تحصل… آليّة عمل التّجنّب، لن نفعل شيئاً إذا لم يكن له على الأقلّ نوعٌ من التّأثير البسيط على ما نفكّر فيه ونشعر به.
نأمل أيضاً أن تلاحظ أن معظم الحلول والمحاولات ، إن لم يكن جميعها ، لا تجعل أفكارك ومشاعرك تختفي على المدى الطّويل، مهما فعلت ، "صحّي" أو "غير صحّي" ، فمن المرجّح أنّك ستظل تواجه أفكاراً مؤلمةً ومشاعر غير مريحةٍ، فهذه هي الطّريقة التي بنينا بها.
نريدك أيضاً أن تلاحظ أنّ بعض السّلوكيّات لا تجعل مشاعرك تختفي ، لكنّها تساعدك في بناء الحياة التي تريد أن تعيشها.
أخيراً - وهذه المهمّة أساسيّة جدّاً - ضع في اعتبارك كيف يمكن أن يكون سلوكك أحياناً حول محاولة تجنّب تجاربك الدّاخليّة والتّحكّم فيها ، وفي أحيانٍ أخرى يمكن أن يتعلّق الأمر ببناء الحياة التي تريدها. هذا فرق مهمّ حقّاً يجب ملاحظته، ما نرغب فيه هو أن يبدأ سلوكك في التّراجع عن استراتيجيّات التّحكّم غير الفعاّلة وغير الضّروريّة. بدلاً من ذلك ، تتصرّف أكثر وأكثر لبناء تلك الحياة الهادفة التي تريدها.
تم اقتباس أجزاء من هذا النص منStop Avoiding Stuff: 25 Microskill لمواجهة مخاوفك وافعلها بأي حال
من قبل المؤلفين