ثلاثة أنواعٍ من الشّخصيّات تحبط العلاقات
●
●
9 دقيقة للقراءة
●
––– مشاهدة
إن الفكرة القائلة بأن العلاقات بشكلٍ عام يمكن أن تكون صعبةً هي فكرةٌ راسخةٌ ومفهومة ٌعلى نطاقٍ واسعٍ، ولكنّنا نتعامل هنا مع ما هو أقلّ فهماً ألا وهو تلك الأنواع من الشّخصيات المحدّدة التي تمثّل تحدّياً واضحاً وصعباً وبشكلٍ خاصّ عند المحاولة لجعل العلاقة وظيفيّة ومتناغمة وذات قيمةٍ تطوّريّة.
تشير الدّراسات إلى أنّ أنواع الشّخصيّات الثّلاثة الموضّحة أدناه على ما يبدو تسبّب توتّراتٍ كبيرةٍ في العلاقات ، بما في ذلك الأسرة والأصدقاء وفي العمل و العلاقات الرومانسية.
ربّما يكون التأّثير الأكثر بروزاً لهذه الأنواع من الشّخصيّات هو أنّهم يقدّمون مجموعةً من السّلوكيّات و الكلمات والإجراءات التي تجعل مَن حولهم يشعرون بالإهمال والإحباط ، وفوق كل ذلك ، بالارتباك.
الشخّصية المتجنّبة
يبذل الأفراد الذين لديهم شخصيّةً متجنّبةً مجهوداً صارماً لتجنّب المشاعر القويّة والألفة العاطفيّة لأنّ المحتوى العاطفيّ والقرب يشعرهم بالتّهديد. ولدى دراسة هذا النّوع من الشّخصيّة وُجِدَ أنّ مجموعةً قليلةً منهم يعانون من الاضطراب الكامل ، كما تمّ تشخيصه في الدّليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية الإصدار الخامس ، DSM-5 ، الجمعيّة الأمريكية للطّب النّفسي ، 2013) ، بينما تبيّن أنّ معظمهم يحملون أو يقدّمون درجةً معيّنةً من هذا التّجنّب دون استيفاء المعايير الكاملة التي تصنّف الشّخص على أنّه شخصيّةً تجنّبيّةً مستوفاة لكافّة المعايير المدروسة.
إنّ وجود علاقة ٍعن قرب مع شخصٍ متجنّبٍ لأمرٌ محيّرٌ حقّاً، لأنّ الشّخص المتجنّب يقاوم التّواصل الواضح والمفتوح، وقد يشعر بعاطفة (غضب أو حزن أو …) لكنّه لن يعبّر عنها أو حتّى يعترف بها عند سؤاله ؛ ويعتبر ذلك كوسيلةٍ لتجنّب الصّراع أو الشّعور بالضّعف الشّديد.
أولئك المرتبطين بشخصيّةٍ متجنّبةٍ يعانون عاطفيّاً لأنهّم غالباً ما يشعرون بالتّجاهل أو عدم الاهتمام، وعادةً ما يستغرق الأمر سنواتٍ عديدةٍ في العلاقة لفهم أنّ الشّخصيّة مضّطربة "رسميّاً". يجد أولئك الذين تربطهم علاقةٌ بمثل هذا الشّخص أنفسهم يخبرون أصدقاءهم حول عدم وجود اتّصال بينهم وبين شريكهم ويتحدّثون عن سلوكه المتجنّب الذي يشعرهم بالبعد والانفصال ، وغالبًا ما يلجأون إلى المختصّين أو مصادر المعلومات الأخرى للمساعدة الذاّتيةّ للتّحقّق من الحالة التي يعيشونها مع شركائهم ويبحثون عن حلول.
الشّخصيّة النّرجسيّة
لقد كُتب الكثير عن النّرجسيّة، وستستمر الكتابة حول هذا الموضوع بكثرة ذلك لأنّ هذا النّوع من الشّخصيّة يمثّل تحدّياً كبيرًا للآخرين لفهم ماهية العلاقات.
أولئك الذين يعانون من اضطراب الشّخصيّة النّرجسيّة ، كما تمّ تشخيصه في الدّليل التّشخيصيّ والإحصائي للاضطرابات النّفسيّة، يتقمّصون إحساساً فخماً ومتفوّقاً بذواتهم ، ويظهرون نقصاً مذهلاً في التّعاطف مع الآخرين. وكما هو الحال مع الشّخصيّة التّجنّبيّة فإنّ مجموعةً قليلة ممّن تمّ تشخيصهم بالاضطراب النّرجسي يحققّون كافةّ الصّفات والمعايير الكاملة للتّشخيص، بينما يمتلك البقيّة عدداً من الصّفات تكفي لأن يكونوا نرجسيين.
وواحدةٌ من أكثر الخصائص النّرجسيّة إرباكاً هي أنّ المظهر الخارجيّ للنّرجسيين ومواقفهم (التّبجح ، والتفّوق ، والتحّكم في كلّ شيء) يتعارض مع معتقداتهم الحقيقيّة ومشاعرهم التي تكمن تحتها، وعلى الرّغم من أنّ آلياّت دفاعهم تمنعهم من الاعتراف بذلك للآخرين أو حتّى لأنفسهم، إلاّ أنّهم غالباً ما يشعرون بقلقٍ عميقٍ بشأن صورتهم الذّاتيّة. إنهم يتنافسون مع الآخرين - خاصّةً مع أولئك الذين تربطهم بهم أيّ نوعٍ من العلاقات - على الاهتمام والموافقة، ويشعرون بالضّعف والخجل من فكرة وجود عيوبٍ لديهم.
إنّ كونك على علاقةٍ وثيقةٍ مع شخصٍ نرجسيّ أمرٌ محيّرٌ هو الأخر لأنّ كلمات النّرجسي ّوما يقوله في الواقع ، غالباً ما تكون فارغة، فالإنسان السّليم نفسياً يتمتّع بالوعي الذّاتي وهو قادرٌ على التّعبير بشكلٍ مباشرٍ وواضحٍ عمّا يفكّر به ويشعر به بينما من ناحيةٍ أخرى يقول النّرجسيّ ما يريد أن يسمعه الشّخص الآخر، أو ما يخدم احتياجاته أو رغباته ، أو ما يتوافق مع الصّورة التي يريد النّرجسي تقديمها، بعبارةٍ أخرى ، غالبًا ما يتحدّث النّرجسي ويقول كلماتٍ ليست انعكاساً حقيقيّاً لما يشعر به أو يؤمن به ولكن ما يريد أن يشعر أو يؤمن به. كقاعدةٍ عامّة ٍ، يحاول النّرجسيّون بائسين أن يخبروا أنفسهم بأنّ الأشياء التي يعرفونها سرّاً عن أنفسهم ليست صحيحة.
الشّخصيّة السّلبيّة العدوانيّة
النّوع الثّالث من الشّخصيّات المليئة بالتّحدي هو النّوع الذي يولّد الارتباك ، ثمّ لاحقًا الإحباط الشّديد لدى الآخرين، في حين تمّ تصنيف هذا النّوع تاريخيّاً على أنّه اضطرابٌ عقليّ، لاّ أنّه لم يعد معترفاً به سريريّاً، ومع ذلك يتمّ رصد الشّخصيّة السّلبيّة العدوانية على نطاقٍ واسعٍ، ويتم ّرؤيتها في العلاقات الاجتماعيّة المختلفة.
إذا كنت واحداً ممّن يعانون في علاقةٍ مع أحد المصنّفين ضمن السّلوك العدوانيّ السّلبي ، فسيكون الوضع مربكاً حقّاً لأنّ تصرّفات الفرد العدواني (السّلوكيات وتعبيرات الوجه والكلمات المعبّر عنها) لا تتطابق بوضوح ٍ مع محتوى الكلمات المنطوقة، أحد الأمثلة النّموذجيّة للشّخصيّة العدوانيّة السّلبيّة هو شخصٌ يستشيط غضباً في أعماقه لكنّه يصك على أسنانه ويتكلّم بصوتٍ هادئ قائلاً :"أنا بخير حقّاً."
المربك في الأمر في هذه الحالة أنّ المرء لا يعرف حقّاً سبب انزعاج الشّخص السّلبي العدوانيّ في أيّة لحظة ، ممّا يثير القلق والإحباط والغضب فالشّخص العالق في علاقةٍ مع سلبيّ عدوانيّ يعلم تماماً أنّ العقوبة قادمةً لا محال لكنّه لا يعرف تماماً متى وكيف، ممّا يولد فيه إحساساً عميقاً بعدم اليقين والخوف والقلق بشأن الشّكل الذي قد تتّخذه العقوبة و يسير المتلقّي في هذه العلاقة حذراً وكأنّه يمشي على زجاجٍ قابل للكسر أو كما يقولون في الأمثال على قشر بيض كنايةً عن هشاشة الحالة وقابليتها للانكسار في أيّة لحظة.
إذا كانت العلاقة طويلة الأمد ، فإن أولئك المرتبطين بعلاقة ٍوثيقة مع الشّخصيّة السّلبيّة تكون قد تراكمت لديهم سنواتٌ من الاستياء تجاه الشّخص العدوانيّ السّلبيّ ،ويعانون الكثير من الظلم في ديناميكية هذه العلاقة، وعلى ذلك ، غالباً ما يصبح أولئك الذين تربطهم علاقةٌ بشخصيّةٍ سلبيّةٍ عدوانيّةٍ مقتنعين بأنّ الفرد العدوانيّ السّلبيّ يستمدّ الإشباع والرّاحة من محاولته إزعاجهم وبثّ القلق في نفوسهم، وأنّ الشّخص العدوانيّ السّلبي يّحب القيام بذلك بالفعل، وللأسف ينتج عن ذلك فقدان الثّقة، وفي النّهاية يتمّ البحث عن الانفصال العاطفيّ عن العدوانيّ السّلبيّ.
كيف تشفى وتكتسب الوضوح تجاه حالتك؟
نظراً لأنّ العلاقة مع أيّ من هذه الأنواع من الشّخصياّت تسبّب مزيجاً من المشاعر السّلبيّة ، يجب على الأفراد المتورّطين في هذه العلاقات أن "ينعتقوا" وأن يكونوا صادقين مع أنفسهم بشأن ما لا يعمل في العلاقة، كما يجب أن يشرحوا بأمانةٍ لأحد أفراد الأسرة الموثوق بهم أو الأصدقاء أو أخصائي الصّحّة العقليّة كيف تبدو الحياة خلف الأبواب المغلقة، نظراً لأنّ الأشخاص الذين تربطهم علاقات مع هذه الشّخصيات قد حُرموا لوقتٍ طويلٍ بسبب طبيعة الحياة التي تفرض عليهم من قبل شركائهم من القدرة على تقييم الشّخص الأخر أو تقييم سلوكيّاته ومن التّحقّق من صحّتها ، فمن الضّروري طلب التّحقق والاستشارة من أشخاصٍ موثوقين و مناسبين .
أخيرًا ، فإنّ المزيد من التّعلم حول خصوصيّة حالتك ونوع الشّخصيّة التي أنت عالقٌ معها ضروريّ للشّفاء. سوف تساعدك القراءة عن نوع الشّخصيّة المتورط معها في هذا المنشور ، حيث يؤدي العلم والمعرفة بتفاصيل الحالة إلى زيادة الفهم العاطفيّ لديك.