التّصوّرات المسبقة
●
●
8 دقيقة للقراءة
●
––– مشاهدة
لماذا يصعب علينا تغيير الطّريقة التي يجعلنا النّاس نشعر بها؟
سواء كان ذلك الشّعور الذي يُثار داخلنا جيّداً أم سيئّاً ، فإنّ مشاعرنا تلوّن وتغيّر نظرتنا ورؤيتنا للآخرين وتتحكّم بكيف نرى النّاس من حولنا. في علم النّفس تسمّى هذه الحالة "المحاصرون السّابقون" أو التّصوّرات المسبقة المحاصرة بالماضي وشكله وصوره وأنماطه، هي تصوّرٌ للواقع لكنّه ملوّنٌ أو محاصرٌ بتجارب الماضي.
يعني ما يمكن تسميته بالتّصور المسبق بناءً على نمطٍ موجودٍ ومحفوظٍ في أذهاننا، واستناداً إليه نحن نشعر ونحكم .
إذا لم يتمّ علاج هذه الحالة وتحييد التّحيّز الذي تقودنا إليه، يمكن أن تتحوّل إلى رهاب ٍمنهكٍ لحاملها. على سبيل المثال ، قد يكون لدى شخصٍ ما خوفٌ شديدٌ من الكلاب لأنّه تعرّض للعضّ عندما كان طفلاً.
على الرّغم من أنّها ليست متطرّفة وتبدو بسيطة ، إلاّ أنّ مقدّساتنا المحاصرة بالماضي تلك أو تصوّراتنا المسبقة يمكنها أن تشكّل كيفيّة إدراكنا ورؤيتنا للآخرين.
هل سبق لك أن تعرّفت على شخصٍ لا يمكنك تحمّله ، لكنّك لا تعرف السّبب حقّاً وراء هذا الشّعور؟ ربّما كان اختراقاً بسيطاً أو سلوكاً طفيفاً منه هو الذي أبعدك عنه أو نفّرك منه ، والآن تشعر بعدم الارتياح في كلّ مرّةٍ يتواجد فيها هذا الشّخص.
هناك ميم معروف لهذه الظّاهرة. يُعرف باسم "تأثير b*tch-eating-crackers" بغضّ النّظر عمّا يفعله هذا الشّخص ، لا يمكن أن يكون جيّداً في نظرك البتّة. "انظر إلى فيرونيكا هناك ؛ انظروا كيف تأكل هذا البسكويت ... يا لها من حقيرةٍ بغيضة! " بالطّبع ، ربّما تكون فيرونيكا شخصاً جيّداً ولا تسبّب لك أيّ ضرر لكنّها لا تزال مزعجةً بالنّسبة لك!
والعكس صحيح تماماً ، ففي الجهة المقابلة في كثيرٍ من الأحيان نتعامل مع الأشخاص الذين يجعلوننا نشعر بطريقةٍ معيّنةٍ تروق لنا تجاه أنفسنا بشكلٍ أفضل ممّا يستحقّون، دون أيّ جهدٍ مبذولٍ منهم تجاهنا، إنّها تصوّراتنا المسبقة هي التي تعمل هنا.
أظهرت العديد من الدّراسات أنّ الأشخاص حسَنوا المظهر يحصلون على خدمةٍ أفضل ، ويكسبون المزيد من المال ، ويزيد احتمال نجاحهم في حياتهم المهنيّة
نحن نتعامل مع النّاس بشكلٍ أفضل أو أسوأ بسبب ما يجعلوننا نشعر به، وتتأثّر مشاعرنا بشدّة بذاكرتنا وما تعلّمناه وما رُسم في مخيّلتنا من تصوّرات تبعاً لأحداثٍ ماضية.
توجد تصوّراتٌ مسبقة "المحاصرون السّابقون" لأنّ إدراكك للعالم لا يبدأ من صفحةٍ بيضاء لا معالم فيها ولا تصوّرات ولا أحكام، ففي كلّ مرّةٍ تفتح فيها عينيك على العالم من حولك أنت تسمح لمئات الصّور الذّهنيّة المحفوظة في عقلك لتحلّل الأمر الظّاهر أمامك نيابةً عنك بناءً على حدثٍ في الماضي وصورتك الذّهنيّة عنه.
ما الإدراك إلّا عمليّة تنظيمٍ وتفسيرٍ للأحاسيس الواردة طوال الوقت . هذه العمليّة متجذّرة بشكلٍ كبيرٍ ومرتبطة في التّجارب السّابقة والأنماط التي شاهدتها ورسمتها على ما يحدث الآن.
أفضل طريقةٍ لفهم ذلك هي استخدام الوهم البصريّ: ألق نظرةً على رقعة الشّطرنج أدناه ، ولاحظ كيف يبدو المربّع المسمّى "A" أغمق من المربّع "B":
في الواقع ، هذان اللّونان الرّماديّان متطابقان.
الآن ألق نظرةً على ما يحدث عندما تمّ حذف السّياق الذي يخلق تصوّراً لظلالين مختلفتين.
يرى الجميع درجتين من اللّون الرّمادي في الصّورة الأولى لأنّ أدمغتنا لا ترى ظلال الرّمادي كما هي، نحن ندرك بدلاً من ذلك مجموعةً من الأنماط التي رأيناها من قبل: نمط رقعة الشّطرنج ونمط الضّوء والظّل
تجعلنا تجاربنا السّابقة مع هذه الأنماط نرى الأشياء ليس كما هي ، ولكن كما نتوقّع أن نراها. الآن ، عد إلى الحياة الحقيقيّة، لعدّة سنواتٍ بعد بلوغك سنّ الرّشد ، ترى أنّ تصوّراتك السّابقة المحاصرة لوالديك خلقت احتكاكًا بينكم، وتشعر أنهّ في كلّ مرّةٍ زرت والديك ، أصبحت مراهقاً مرّةً أخرى - وليس بطريقةٍ جيدّة.
على الرّغم من أنّك أصبحت الآن مستقلاً ، إلاّ أنّك دخلت في نقاشاتٍ غبيّةٍ مع والدك مثلما فعلت عندما كنت في المدرسة الثاّنوية، لماذا ا؟ لم يكن هناك سببٌ للجدل حول الاختلافات الصّغيرة في الرّأي، لقد كنتم جميعًا بالغين.
سوف تدرك ذلك بعد إنجابك للأطفال، عندها سوف تدرك ما كان يحدث، كانت تجارب طفولتك مع والديك تلوّن واقعك البالغ، على الرّغم من أنّك كبرت ، كلّما كنت حول والديك ، كان جزءٌ منك لا يزال يفكّر في نفس طريقة تفكيرك عندما كنت طفلاً، كان نمط أو توقّع من الماضي يجعلك ترى صراعاتٍ لم تكن موجودة بالفعل.
إنّه مثل الوهم البصريّ: نظرتك للحاضر كانت محاصرة بتجارب الماضي.
إطلاق سراح النّظرات المسبقة"المحاصرون السّابقون"
في العلاقات ، من الجيّد أن تكون قادراً على التّخلّي عن التّصوّرات المسبقة. سيكون من الرّائع لو تمكّنّا من معالجة تصوّراتنا المسبقة المحاصرة عن الأشخاص بالطّريقة التي تعاملنا بها مع هذا الوهم البصري أي مسح جزء الصّورة الذي يؤدّي بنا إلى التّحيّز.
إنّ التّخلّص من مجموعة "b*tch-eating-crackers" من وجهات نظرنا المقيّدة بسلاسل الماضي هو أمرٌ غير واضحٍ تماماً، ومع ذلك فمن الممكن أن تفعّل شيئاً حيال ذلك،مثلاً يمكنك اتّخاذ الإجراء التّالي، يمكنك فتح طريق المسامحة (أو على الأقل تقليل المشاحنات).
هناك شيئان يمكنك القيام بهما لتحديث التّصوّرات المحاصرة بالماضي تجاه النّاس:
رؤية النّاس بشكلٍ مختلفٍ: توقّف عن رؤية والديك كشخصيّاتٍ ذات سلطة ، وابدأ رؤيتهم كبشرٍ مثلك تماماً ، لم يكونوا مثاليين أي مثلك تماماً ، كانوا يبذلون قصارى جهدهم ، أرادوا التّخلّي عن الخلافات التّافهة.
غالباً ما نصنّف الأشخاص في الأدوار التي يلعبونها في حياتنا ، ونحكم عليهم وفقًا لمعيار "الوالدين" أو "الرّئيس" أو المدير، لكنّ الأشخاص لديهم أبعادٌ أكثر من ذلك لشخصياّتهم، ويمكنك بناء علاقاتٍ أفضل معهم من خلال النّظر إلى تلك الأبعاد الأخرى المختلفة ، وليس فقط ذات الأبعاد التي اعتدنا على رؤيتها.
امنح النّاس فائدة الشّك فهي سرّ اللّطف: معظم النّاس يكون قصدهم أن يكونوا جيّدين غالباً ولا يتقصّدون الأذى، حاول أن تفترض النّيّة الإيجابيّة ليس فقط من أجلهم ، ولكن من أجلك أنت، إذ ليس من الممتع الدّخول في مشاجراتٍ عندما لم يكن هناك أيّ نوايا سيّئة أصلاً.
بالمناسبة ، يمكنك وأنت تتقن لعبة تعلّم تحرير وجهات النّظر المسبقة إطلاق تصوّراتك الضّارّة والسّلبيّة عن نفسك، حيث يفقد العديد من الأشخاص فرصة أن يكونوا منتجين حقّاً لأنهّم قرّروا في وقتٍ ما في الماضي أنّهم غير قادرين حتّى لو أنّهم حاولوا تعلّم أن يكونوا أكثر إنتاجيّة لن ينجح معهم.
في الواقع ، يمثّل كلّ يومٍ فرصةً للاستحواذ على وقتك وقضائه بالطّريقة التي تريدها، من خلال التّخلّي عن التّصوّرات السّابقة لما يمكنك فعله أو لا يمكنك فعله ، فأنت تعامل نفسك بلطفٍ وتمنح نفسك فرصة أفضل لتزدهر كما تمنح الآخرين فرصةً ليكونوا جمالاً إضافيّاً على حياتك.