الأكوان والعوالم المتوازية
●
●
14 دقيقة للقراءة
●
––– مشاهدة
تخيّل أنّ عدداً لانهائيّاً من النّسخ المطابقة لك تعيش كلّ واحدةٍ منها ضمن سيناريو مختلف ٍعن الآخر في عددٍ لانهائيّ من الأكوان! ترى هل الأكوان المتوازية حقيقةٌ موجودةٌ بالفعل ؟ قد نعيش في كونٍ متعدّدٍ… كلّ شيءٍ وارد!
يحبّ الخيال العلمي فكرة الكون الموازي ، والتّفكير بإمكانيّة أن يكون للواحد منّا أكثر من نسخة كلّ نسخة منها تعيش حياةً مختلفةً في كلّ كونٍ محتمل.
لم تعد الأكوان الموازية مجرّد سمةٍ لقصّة خيالٍ علميّ جيّدةٍ بما فيه الكفاية لصناعة فيلم كمثل Star Trek
و Spiderman
و Doctor Who
،فقد اكتشفت النّظريّة العلميّة حقيقة تلك العوالم، وفي كثيرٍ من الحالات تدعم احتماليّة وجود الأكوان الخارجيّة أو الموازية لعالمنا أو البعيدة عنه ولكنّها تعكسه هذه النّظريّات العلميّة التي تدعم فكرة الأكوان المتوازية خارج عالمنا، ومع ذلك تظل واحدةً من أكثر النظريّات إثارةً للجدل في العلم.
كوننا كبيرٌ بشكلٍ لا يمكن تصوّره، مئات المليارات إن لم يكن تريليونات المجرّات تدور في الفضاء، كلّ منها يحتوي على بلايين أو تريليونات من النّجوم.
يتكهّن بعض الباحثين الذين يدرسون نماذج الكون أنّ قطر الكون يمكن أن يبلغ 7 مليارات سنةٍ ضوئيّةٍ، ويعتقد البعض الآخر أنّه يمكن أن يكون لانهائيّ. غالبًا ما تتم مناقشة الأكوان المتعدّدة والعوالم المتوازية في سياق المفاهيم العلميّة الرّئيسيّة الأخرى مثل الانفجار العظيم والتّضخّم الأبديّ، ونظريّة الأوتار وميكانيكا الكم .
التّضخّم الأبديّ ، نظريّة BIG BANG و الكون الموازي
لحظة من الزّمن
يقول شين كارول، عالم الفيزياء النّظريّة في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (California Institute of Technology)، لموقع لايف ساينس إنّ كلّ شيءٍ بدأ عند الانفجار العظيم، وهو لحظة ٌمن الزّمن وليس نقطة في الفضاء
، كانت هي اللّحظة التي بدأ فيها مايسمّى بالوقت ، اللّحظة التي تُعتبر نقطة البداية لكلّ اللّحظات اللّاحقة.
واستناداً لنظريةّ الانفجار العظيم، فإنّ الكون قد نشأ من حالةٍ متناهية الصّغر، وعظيمة الكثافة والحرارة، تسمّى الحالة المتفرّدة، ومنذ ذلك الحين يتمدّد الكون منتفخاً حاملاً معه المجرّات تماماً وكأنّك تراقب عجينةً وُزّعت عليها حبّات الزّبيب وهي تنتفخ رويداً رويداً وتتوسّع داخل الفرن.
لم يكن الانفجار العظيم انفجاراً بالمعنى الحقيقي، لقد سمّي كذلك كنايةً عن اللّحظة التي بدأ فيها الفضاء في التّوسّع للخارج وفي جميع الاتّجاهات في آنٍ معاً. يقول آدم مان إنّه على الرّغم من أنّ نموذج الانفجار العظيم ينصّ على أنّ الكون كان نقطةً صغيرةً لا متناهيةً من الكثافة اللانهائيّة، فهذه مجرّد طريقةٍ للقول إنّنا لا نعرف تماماً ما كان يحدث في ذلك الوقت. اللانهائيّات الرّياضيّة لا معنى لها في معادلات الفيزياء، لذا فإنّ الانفجار العظيم هو حقّاً النّقطة التي ينهار عندها فهمنا الحالي للكون.
حصل كلّ ذلك منذ حوالي 13.8 مليار سنة، وبسرعةٍ لايمكن تصوّرها تحوّل الكون إلى أضعاف أضعاف حجمه الأصليّ منتفخاً أسرع من سرعة الّضوء في جميع الاتجّاهات بجزءٍ ضئيل من الثّانية في عمليّةٍ تسمّى التّضخّم الكونيّ. وهذا كلّ شيءٍ حدث قبل التّوسّع الفعليّ للمادّة الذي نسمّيه عادةً الانفجار العظيم والذي كان نتيجة كلّ هذا التّضخّم، ومع تباطؤ التّضخّم ، ظهر طوفان من المادّة والإشعاع، ممّا أدّى إلى خلق كرةٍ ناريّةٍ كلاسيكيّةٍ من الانفجار العظيم، وبدأت في تكوين الذّرّات والجزيئات والنّجوم والمجرّات التي تملأ اتّساع الفضاء الذي يحيط بنا.
أقنعت هذه العمليّة الغامضة للتّضخّم والانفجار العظيم بعض الباحثين بإمكانيّة وجود الأكوان المتعدّدة. وفقاً لعالم الفيزياء النّظريّة ألكسندر فيلينكين من جامعة تافتس في ماساتشوستس ،فإنّ التّضخّم لم ينته في كلّ مكانٍ من الكون في نفس الوقت، فبينما انتهى التّضخّم لكلّ تفاصيل أرضنا قبل 13.8 مليار سنة، بقي مستمرّاً يقوم بعمله على قدمٍ وساق في أماكن أخرى، وهذا ما يسمّى نظريّة التّضخّم الأبديّ، وعندما ينتهي التّضخّم في مكان ٍمعيّنٍ ، يتشكّل كونٌ فقاعيّ جديد، كتب فيلينكين لمجلة Scientific American في عام 2011: لا تستطيع هذه الأكوان الفقاعيّة الاتّصال ببعضها البعض لأنهّا تستمرّ في التّوسّع إلى ما لا نهاية، و إذا كنّا سننطلق نحو حافّة الفقاعة حيث قد تنفجر في مواجهة الكون الفقاعي التّالي، فلن نصل إليها أبداً لأنّ الحافّة تبتعد عنّا أسرع من سرعة الضّوء، وأسرع من أيّة إمكانيّة سفرٍ إليها.
ولكن حتّى لو تمكّنا من الوصول إلى الفقاعة التّالية نظريّاً، وفقاً للتّضخّم الأبدي ونظريّة الأوتار، فإنّ كوننا المألوف بثوابته الفيزيائيّة وظروفه الصّالحة للعيش يمكن أن يكون مختلفاً تماماً عن كون الفقاعة الافتراضي المجاور لكوننا.
كتب فيلينكين:
هذه الصّورة للكون، أو الكون المتعدّد ، كما يطلق عليهC تشرح اللّغز الطّويل الأمد لسبب ظهور ثوابت الطّبيعة بشكلٍ دقيقٍ بما يتناسب مع ظهور أشكال الحياة المتنوّعة على أرضنا، والسّبّب هو أنّ المراقبين الأذكياء لا يتواجدون إلا في تلك الفقاعات النّادرة التي و بالصدفة البحتة توافقت الظّروف لأن تكون الثّوابت مناسبة تماماً لتطوّر الحياة عليها أمّا باقي الأكوان المتعدّدة تظلّ قاحلة، ولكن لا أحد هناك ليشتكي من ذلك.
يشير تفسير فيلينكين إلى أنّه في بعض الأكوان الفقاعيّة اللانهائيّة خارج كوننا، يمكن أن يكون هناك مراقبون أذكياء آخرون، لكن في كلّ لحظةٍ تمرّ نبتعد عنهم ولن يتواقت وجودنا معاً البتّة.
ميكانيكا الكمّ الأكوان الموازية
يؤسّس بعض الباحثين أفكارهم عن الأكوان المتوازية على ميكانيكا الكم، والوصف الرّياضي للجسيمات دون الذّرّيّة. في ميكانيكا الكم، تكون حالات الوجود المتعدّدة للجسيمات الصّغيرة ممكنة جميعها وفي نفس الوقت - دالة موجية
تغلّف كلّ هذه الاحتمالات، ومع ذلك عندما ننظر في الواقع ، فإنّنا نلاحظ فقط واحداً من هذه الاحتمالات. ووفقاً لتفسير كوبنهاجن لميكانيكا الكم كما هو موصوف في موسوعة ستانفورد للفلسفة ، نلاحظ النّتيجة عندما تنهار
وظيفة الموجة إلى حقيقةٍ واحدةٍ فنرى احتمالاً واحداً من الاحتمالات اللانهائيّة وحسب.
لكن نظريّة العوالم المتعدّدة تقترح بدلاً من ذلك نظريّةً تنصّ على أنّه في كلّ مرّةٍ يتمّ فيها ملاحظة حالةٍ أو نتيجةٍ ، سيوجد عالمٌ
آخر تتجلّى فيه نتيجةً كمّيّةً مختلفةً حقيقةً أخرى. هذا يعتبر ترتيباً متفرّعاً ، يتفرّع فيه كوننا المدرك لحظةً بلحظة إلى بدائل شبه لانهائيّة. هذه الأكوان البديلة منفصلةٌ تماماً وغير قادرةٍ على التّقاطع ، لذا في حين أنّه قد تكون هنالك نسخٌ لا حصر لها لك تعيش حيواتٍ مختلفةٍ قليلاً - أو بشكلٍ كبير - عن حياتك في هذا العالم ، فلن تعرف ذلك أبداً.
إنّ نظريّة العوالم المتعدّدة هي الأكثر شجاعةً
في مواجهة معضلة ميكانيكا الكم كما كتب الفيزيائي شون كارول في كتابه، (شيءٌ مخفيٌّ بعمق: العوالم الكمومية وظهور الزمكان)
كما جادل بأنّها النّظريّة الأكثر وضوحاً ، وإن لم تكن خالية من الثّغرات.
أحد هذه الثّغرات كما يقول الصحفيّ العلميّ جون هورغان في منشور مدونة لـ Scientific American هو أن ّفكرة العوالم المتعدّدة ليست قابلة للدّحض حقّاً وهذا عنصرٌ مهمٌّ في الفكر العلميّ وهو الطّريقة التي يطوّر بها المجتمع العلميّ الأفكار التي يمكن استكشافها بالملاحظة والتّجريب، فإذا لم تكن هناك فرصةٌ للعثور على دليلٍ ضدّ نظريّةٍ ما، فهذا أمرٌ سيّءٌ للعلم ككل.
يؤمن بعض الفيزيائيين بأنّه إذا استمرّ الكون الذي نعيش فيه إلى الأبد، فهناك طرقٌ عديدةٌ فقط يمكن من خلالها لِلَبنات بناء المادّة أن تنظّم نفسها عندما تتجمّع عبر مساحة ٍلا نهائيّةٍ، يعني يجب أن يكرّر أيّ عدد محدود من أنواع الجسيمات ترتيباً معيّناً من النّاحية الافتراضيّة في مساحةٍ كبيرةٍ بما يكفي، لأن تكرّر تلك الجسيمات ترتيباتٍ كبيرةٍ مثل الأنظمة الشّمسيّة بأكملها والمجرات. لذلك ، قد تتكرّر حياتك بأكملها في مكانٍ آخر من الكون ،من الثياب التي ارتديتها في سهرة البارحة وصولاً إلى ما تناولته على الإفطار بالأمس. على الأقل هذا ما تذكره النّظريّة.
ولكن إذا بدأ الكون عند نقطةٍ محدودةٍ ، كما يتّفق كلّ فيزيائيّ تقريباً على ذلك ، فمن المحتمل ألا توجد نسخةٌ بديلة ٌمنك، وفقًا لمقالة عالم الفيزياء الفلكية Ethan Siegel لعام 2015.
وفقًا لسيجل
يميل عدد النتّائج المحتملة من الجسيمات التي تتفاعل مع بعضها البعض في أيّ كونٍ نحو اللانهاية أسرع من عدد الأكوان المحتملة التي تزيد بسبب التّضخّم.
فماذا يعني هذا بالنسبة لك
كتب سيجل. هذا يعني أنّ الأمر متروكٌ لك لجعل هذا الكون مهمّاً أم لا!
الكون المرآة للصّورة
في إضافةٍ حديثةٍ نسبيّاً إلى مجموعة نظريّات الأكوان المتعدّدة، اقترح باحثون من معهد Perimeter للفيزياء النّظريّة في واترلو ، أونتاريو ، أنّ الكون بدأ عند الانفجار العظيم - وعلى الجانب الآخر من الجدول الزّمنيّ للانفجار العظيم يمتدّ للخلف في الزّمن، كان الكون موجوداً في السّابق وكان يمثّل صورةً طبق الأصل لكوننا.
قال نيل توروك ، الباحث في معهد بيريميتر:
هذا يعني أنّ كلّ شيءٍ - البروتونات ، والإلكترونات ، وحتّى الإجراءات العاديّة مثل تكسّر قشرة البيضة - سيتمّ عكسها. تشكل البروتونات المضادة والإلكترونات موجبة الشّحنة الذّرّات ، في حين أن البيض سوف يتشقّق ويعود إلى داخل الدّجاج…. في النهّاية سوف يتقلّص هذا الكون وعلى الأرجح سوف يعود إلى حالةٍ فرديّةٍ ، قبل أن يتوسّع إلى كوننا.
وبكلامٍ آخر ، تمّ إنشاء كلا الكونين في الانفجار العظيم وانفجرا في وقتٍ واحدٍ للخلف وللأمام في الوقت نفسه.
الحجج المؤيّدة لنظريّة الكون المتعّدد
التّضخّم الكوني
نما كوننا أضعافاً مضاعفةً في اللّحظات الأولى من وجوده ، ولكن هل كان هذا التّوسّع موحّداً؟ إذا لم يكن الأمر كذلك ، فهذا يشير إلى أنّ مناطق مختلفة من الفضاء نمت بمعدّلاتٍ مختلفةٍ - وقد تكون معزولةً عن بعضها البعض.
الثّوابت الرّياضيّة
كيف هي قوانين الكون دقيقةٌ جدّاً؟ يقترح البعض أن ّهذا حدث فقط عن طريق الصّدفة - نحن الكون الوحيد من بين العديد من الأكوان الذي صادف حصوله على الأرقام الصّحيحة لنشوئه.
الكون المرئيّ
ما هو أبعد من حافّة الفضاء المرئيّ من حولنا؟ لا أحد يعرف على وجه اليقين ، وإلى أن نفعل ذلك ، فإنّ فكرة أنّ الكون يمتدّ إلى أجلٍ غير مسمّى هي فكرةٌ مثيرةٌ للاهتمام.
الحجج ضدّ نظريّة الكون المتعدّد
القابليّة للتّزوير
لا توجد طريقةٌ متوفّرةٌ بين أيدينا لاختبار نظريّات الكون المتعدّد. لن نرى أبداً ما وراء الكون المرئي، لذا إذا لم تكن هناك طريقةٌ لدحض النّظرياّت، فهل يجب حتىّ منحها المصداقيّة؟!
في بعض الأحيان، تكون أبسط الأفكار هي أفضلها، و يجادل بعض الفيزيائيين بأنّنا لسنا بحاجةٍ إلى نظريّة الأكوان المتعدّدة على الإطلاق، إنّ الخوض فيها لا يحلّ أيّة مفارقاتٍ ، ويخلق فقط تعقيداتٍ نحن في غنى عنها.
لا دليل
لا يمكننا فقط عدم دحض أيّة نظريّة للكون المتعدّد ، ولا يمكننا إثباتها أيضاًـ ليس لدينا حاليّاً أيّ دليلٍ على وجود أكوانٍ متعدّدةٍ ، وكلّ ما نراه يشير إلى وجود كونٍ واحدٍ فقط - هو كوننا!
العوالم المتوازية والخيال العلميّ
أعمال لا حصر لها من الأساطير والخيال مستمدّةٌ من أفكار الأكوان المتوازية والكون المتعدّد، حيث تظهر العوالم المتداخلة في الأساطير الإسكندنافية وكذلك في علم الكونيّات البوذي والهندوسيّ..
ظهرت فكرة الاحتكاك بين الأكوان المتعدّدة في الرّوايات في وقتٍ مبكّرٍ مثل رواية إدوين أ. أبوت Flatland: A Romance of Many
،ولا يزال من الممكن رؤيتها في الأفلام الحديثة مثل فيلم Marvel Doctor Strange. و نوع كامل من القصص المصوّرة اليابانية، يسمى isekai ، يتعامل مع الشّخصيّات المنقولة إلى عوالم متوازيّة