أحبب كسلك

12 دقيقة للقراءة

––– مشاهدة

tired woman sleeping in cozy hammock in a flat

كلّنا نواجه أو واجهنا هذا التّحدّي في حياتنا ومنذ صغرنا مروراً بمراحل عمريّةٍ مختلفة.

قد يُصنّف الكسل على أنّه الحاجز الرّئيسيّ و الأوّل الذي يحول بيننا وبين حالة الإنجاز والتّطوّر وتحقيق الأحلام، وأكاد أجزم أنّ كلّ من يقرأ الآن وفي هذه اللّحظات لديه حكايته الخاصّة مع الكسل في مفصلٍ أو أكثر من مفاصل حياته، ولابدّ مرّ أو لازال يمرّ في هذه التّجربة، لقد كُتب الكثير عن الكسل، ووُضِعت له الكتب والعناوين والاستراتيجيّات والنّظريّات، ولكن وعلى الرّغم من كثرة الحلول التي قُدّمت لهذا التّحدّي في حياتنا، وتنوّع الخطوات التي جيء بها على طبقٍ من فضّة لتُوضَع بين أيدينا فما علينا سوى التّنفيذ، إلّا أنّ هذه الدّراسات في معظمها قد تجاهلت تماماً جانباً أساسيّاً في التّحدّي… نحن كسولون يا جماعة…. نحن مشكلتنا تكمن في عدم قدرتنا على إنجاز المهمّات! ولا نعلم حتّى كيف وصلنا إلى هنا… فنشكو لكم يا باحثون وتغيبون ثمّ تعودون وكلّ ما في جعبتكم هي مهامٌ لإنجازها؟!

لقد تمكّن منّا الكسل حتّى في مفصل تنفيذ خطوات التّخلّص منه! إنّه التّجلّي الظّاهر لما هو أعمق في الدّاخل، لكلّ منّا قصّةٌ مختلفةٌ جعلت منه الكسول الذي هو عليه الآن، لذلك لن تنطبق خطواتكم وحلولكم بنفس الطّريقة علينا كلّنا نحن الكسالى في هذا العالم ،الكسل هو تجلّي مادّي لعوامل داخليّة خفيّة حتّى الشّخص الكسول غالباً لا يعلم لماذا وصل الى هنا، فنحن بخطوات محاربة الكسل نحارب النّتيجة ونتجاهل السّبب العامل الذي يتمكّن من أفكارنا حتى ليغدو صفةً تعريفيّة لنا.

معظم الدّراسات تحثّ الأشخاص لدى العمل أو الدّراسة أو ممارسة نشاطٍ ما للحفاظ على الصّحّة، كالرّياضة مثلاً، معظمها تضع مهام أخرى عليك القيام بها وأنت أصلاً شخصٌ تعاني من عدم قدرتك على إنجاز المهام فكيف لك أن تكون خطوتك الأولى لحلّ مشكلتك مهمّةٌ أخرى!

كنتُ كسولاً يوماً ما

كنتُ كسولاً يوماً ما هنا وأنا التي عانيت من هذا الموضوع لفترةٍ طويلةٍ من حياتي، وجدت لاحقاً بعد مرور وقتٍ طويلٍ أنّ الأمر بهذه البساطة لا يتعدّى أن تكون كسولاً رائعاً تستلقي في سريرك وتتخيّل.

نعم ببساطة الخطوة الأولى تنطلق من المهارة الوحيدة التي تمتلكها في هذه المرحلة من حياتك وهي الاستلقاء، وبدلاً من تخيّل ما لا تريد فقط تخيّل ما تريد، وتخيّل أكثر لماذا تريد ولماذا أصلاً أنت قررت القيام بهذا العمل، ومالذي سيحدث في حال تحقّق تخيّلك للنّتيجة، هذا من شأنه أن ينقلك بسلاسةٍ إلى الخطوة الأولى التي كنت تعجز عن الانتقال إليها لأنّك كسول وعقلك تبرمج على ألاّ تقوم بالخطوة الأولى لفتراتٍ طويلة، لقد عملت جاهداً دون أن تعلم لتصل إلى هنا يا صديقي لذلك عندما كنتُ في مكانك حفّزتُ نفسي من منطقة نقطة ضعفي لم اقفز مباشرةً للجلوس على الكرسي خلف شاشتي وأباشر الكتابة، لقد أمهلتُ نفسي لأكون شخصاً آخر عن وعيٍ تماماً كما أمهلتُ نفسي لأكون كسولاً لكن دون وعيّ، وكان جلّ ما تخيّلته هو ما ستؤول إليه أمور عائلتي في حال قمت بهذا العمل تخيّلت كلّ الفرح والابتسام وراحة البال التي قد تنشأ من ممارسة جهدٍ بإمكاني القيام به لكن كثرة الإحباطات سلبتني شغفي كان عليّ أوّلاً استرداده، وكانت الصّورة الذّهنيّة التي بنيتها وكرّستها في خيالي على مدى أيّامٍ وشهور والتي تجسّد النّتيجة النهائيّة لعملي في حال التزمت به كانت هي الحافز الأساسيّ لاستيقاظي صباحاً أو لجلوسي إلى مكتبي أو لعودتي من خارج المنزل بعد مشوارٍ جميلٍ راغبةً بكتابة شيءٍ ما!

فكرة وشعور وخيال

كلّ شيءٍ أو حالةٍ نصل إليها في حياتنا هي نتيجة مجموعةٍ من الأفكار والتّخيّلات المتوافقة معها التي تتحوّل إلى معتقدات ثمّ ممارسات وتصنع مانحن عليه… يمكنك القيام بهذه الخطوة وأنت لا تزال كسولاً لكن ببطء وخطوات متناسقة مع إيقاعك دون كسرٍ لقلوبنا وذواتنا ونظرتنا لأنفسنا ودون أن نعير انتباهنا في هذه المرحلة لنظرة النّاس الأهل والأصدقاء والمحيط الاجتماعي عموماً.

أغلب الأوقات يكون تحوّلنا لما لا نريد دون وعيٍ منّا لأنّنا لا نكون مدركين لأهمّيّتنا نحن في هذا التّحوّل يعني أهمّيّة خيالنا و كلماتنا وأفكارنا ومعتقداتنا في تشكيلنا .

وغالبا ما يحصل ذلك بسبب تركيزنا على رفض ما نحن عليه والابتعاد عنه والهروب منه، يقول واين داير: أنت تجذب كلّ ما تريد وكلّ ما لاتريد لأنّك تفكّر فيهما كليهما بنفس القوة

إذاً نحن في حياتنا العاديّة الأشياء التي حصلنا عليها سواء في شخصيّاتنا أو الأشياء الماديّة التي امتلكناها كلّها استهلكت وقتاً بعلمنا ووعينا أو بدون علمنا ووعينا لتتشكل بهذه الهيئة سواء كانت تعجبنا أم لا نحن أعطيناها الوقت الكافي والجهد الكافي والإيمان الكافي لتترسّخ وتتجلّى، وبذلنا جهداً نعلم به أم لا لتأخذ شكلها الحالي.

وفي اللّحظة التي نقف فيها لنقول إنّنا لا نريد ما نحن عليه في هذه اللّحظة بالذّات علينا تقبّل ما وصلنا إليه والوقوف برهة قبل تغيير الاتجاه، ونعلم تماماً ونكون مدركين أنّنا بحاجةٍ لذات الوقت وقد نكون بحاجةٍ لوقتٍ أطول للعودة إلى نقطة الصّفر والانطلاق مجدّداً للبناء في المكان الذي نريد.

معظمنا عندما نكتشف أنّنا نسير في الاتجاه الخطأ ولم نعد نريد الاستمرار في ذلك نقف ونتوقّع أنّه بإمكاننا تعديل الحال بطرفة عين لا يا صديقي عليك بذل جهدٍ معادلٍ تماماً للجهد الذي بذلته بوعيٍ أو بدون وعي لبناء نسختك الحاليّة لتشرع بوضع الأسس لبناء نسختك الجديدة، والانطلاق سيكون بقبول ما أنت عليه وتحمّل مسؤوليّة ما وصلت إليه لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين تكرر دعاء سيّدنا إدريس في جوف حوتك الخاصّ و تبدأ بتخيّل ما تريد، خطوةٌ مناسبةٌ للكسولين! لن أقول لك استيقظ فور اكتشافك لرغبتك في تغيير واقعك تمام السّاعة الرّابعة صباحاً وباشر العمل.

احقا وبعد ما تترسّخ في ذهنك صورة ما سينتج لو أنّك قمت بعملك سوف تكتسب الحافز اللازم لتنفيذ الأرقام يعني أرقام المهمّات والخطوات التي يحددها الباحثون، لكن الخطوة التي ولدت من رحم التّحدّي تبقى هي الأساس عليك البدء منها.

لاتكره كسلك

لاتكره كسلك بل استعمله وحوّل طاقته من شكلٍ إلى آخر، طاقة الكره مدمّرة وخاصّة إذا كانت موجّهةً نحو الذّات لأنّك أداة نفسك الأولى والأخيرة إذا عرّضتها لكرهك واستيائك لن تعمل معك و لصالحك أبداً.

دلّلها واحترم عيوبها وأخطاءها، وسامحها كما تسامح الآخرين، وجد لها مبرّراتها كما تجد وتبرّر لغيرك، فهي لاتملك إلاّ أنت ، كن لطيفاً معها وحّررها من كلّ القيود من الخوف والسّعي لرضا الآخرين وإصدار الأحكام عليها وعلى الآخرين، اجعلها خفيفةً لتطير تطير نحو الأعلى وتلتقط الصّورة الكبيرة التي تريك الأمور على حقيقتها غير مجتزأة أوخاضعة للحكم أو قاصرة.

دلّلها وأطعمها كلّ ماهو طيّب من جمال الطّبيعة إلى الموسيقى الحلوة والكلام الطّيّب والطّعام الصحيّ والعلاقات المنسجمة.

لاتحدث الأمور دون عملٍ يُبذل عليها بصدق، أنت لم تصبح كسولاً بالصّدفة، أنا لا أقول هنا أنّك أردت أن تكون كسولاً بل على العكس أنت تحاول الهروب دوماً من ذلك الأمر يوماً بعد يوم لكن دون جدوى وترى نفسك تغرق كلّ يوم أكثر وأنت تؤنّب نفسك وتقارنها مع من حولك ومن سافر ومن نجح ومن تملّك وهذا تماماً ما أدعوه العمل بصدق لتكون كسولاً أنت بآليّة العمل هذه تكرّس الكسل لا تتخلّص منه فالعمل بصدق قد يكون لتكريس شيء لا نريده أحياناً.

الكلّ يقول لك كن نشيطاً لكنّك لا تستطيع، قبل أن تكون نشيطاً عليك تقبّل نفسك كسولاً لبعض الوقت والقيام ببعض الأعمال الجيّدة التي يجيدها الكسولون لتحصل على القليل من البهجة وتقدير الذّات غير المرتبط بأيّ إنجازٍ، وهذا من شأنه أن ينقلك بسلاسةٍ إلى الخطوة الأولى التي يدلّنا عليها الخبراء وأنا سأكتب لكم خطواتٍ جيّدةٍ ومجرّبةٍ في نهاية المقال، لكن ما أتكلّم عنه اليوم مختلفٌ تماماً فأنت لن تتمكّن من جعل شخصٍ حمل تبعات الكسل ربّما لسنوات وتعرّض لتأنيب الذّات والضّمير بشكلٍ يوميّ وللفشل المتكرّر للبدء بأيّ شيء، لا يمكنك أن تحمل هذا الشّخص المهترئ للقيام بأيّة مهمّة، عليك تدليله أوّلاً وتعريفه بقيمة ذاته البعيدة كلّ البعد عن القيم التي وضعها المجتمع الذي يقيس قيمتنا بإنجازاتنا فيتمّ الإمساك بنا من هذه النّقطة ونُحارب منها وقد نموت اكتئاباً إذا لم نجد من يأخذ بيدنا ليقول لنا الحقيقة الأصيلة من تجربته وبكلّ صدق دون تزيينات.

خطواتٌ عمليّةٌ بعد استعادة ذاتك وشغفك للتّخلّص من الكسل

بعدما جرّدت كسلك الخاصّ من ردائه وقناعه الذي يضعه ليبدو وكأنّه هو السّبب وراء كلّ مشكلاتك بحيث تستغلّه كلّ المشكلات التحت سطحيّة لتنسب إليه نتائجها فهو صفةٌ بسيطةٌ وطيّبة القلب قد تتقبّل ببساطة أن تحمل وزر غيرها فيقول الخائف أنّه كسول والرّافض أنّه كسول والكاره والذي تعرّض لصدمة طفولة والذي يحكم على نفسه وعلى الآخرين والذي لم يعرف رسالته بعد ولم يحدّد عملته الدّاخليّة كلّهم يصابون بعدم القدرة على الإنجاز و يندرجون تحت مسمى كسول.

اختر مشكلتك الأصلية الحقيقيّة وعالجها وبعدها سيختفي الكسل من تلقاء نفسه فهو بحدّ ذاته ليس صفةً سيّئةً إذا استخدمتها في مكانها الصّحيح، لا تستغرب إن أخبرتك أنّنا نحتاجه تماماً كما نحتاج النّشاط

إذاً بعد أن كشفت الحقيقة وعالجت الأمر وبقي الكسل كسلاً فقط ليس حجّة تختبئ خلفه أشياء أخرى الآن يمكنك اتّباع هذه الخطوات:

  1. تقسيم المهام المترتب عليك إنجازها
  2. النّوم بشكل جيد والحصول على عدد كاف من ساعات النّوم
  3. الاستحمام اليومي
  4. ممارسة الرياضة على الأقل ثلاث مرّات في الأسبوع
  5. اتّباع نظام غذائي صحي
  6. شرب الماء بكمّيّات كافية
  7. ترتيب المكان من حولك
  8. الاستماع الى الموسيقى الحركيّة أو الإيقاعيّة

وأخيراً عليك أن تتقبّل مرحلتك التي أنت فيها كخطوةٍ أولى في أيّ تغييرٍ تريد إحداثه في حياتك، مقاومتك لأيّ أمر تزيده في حياتك، نظرتك إلى ذاتك وتقديرك لنفسك عاملٌ أساسيٌّ للانتقال إلى حيّز الإنجاز.