أفضل طريقةٍ للسّيطرة على أفكارك غير المرغوب فيها

10 دقيقة للقراءة

––– مشاهدة

man standing in front of mirror

التّفكير الوقائيّ هو طريقةٌ استباقيّةٌ - وليست تفاعليّة - للتّحكّم في الأفكار غير المرغوب فيها.

النّقاط الرئيسيّة

  • غالبًا ما يجعل التّحكّم المعرفيّ التفّاعليّ الأفكار غير المرغوب فيها أكثر إزعاجاً ويبقيها في قمّة اهتماماتنا في حلقة التّفكير.
  • إنّ المحاولة المُتعمّدة لقمع فكرةٍ غير مرغوب فيها (لا تفكر في دبّ أبيض!) على سبيل المثال، تميل إلى جعلها في طليعة الذّهن.
  • يمكن للتّحكّم المعرفيّ الاستباقيّ أن يمنع الأفكار غير المرغوب فيها بشكلٍ استباقيّ ويوقف تكرار حلقات التّفكير.

حاول أن تقوم بنفسك بهذه المهمّة، قل عليّ ألا أفكّر في دبّ قطبيّ، وسترى أنّه الشّيء الوحيد وأقصد هنا الدّبّ القطبي الذي سيقفز إلى ذهنك كلّ دقيقة رغماً عن أنفك —فيودور دوستويفسكي ملاحظات الشّتاء على انطباعات الصّيف (1863)

يُعدّ التّحكّم في الأفكار غير المرغوب فيها أمراً صعباً، كما تُذكّرنا التجّارب الفكريّة الدّب ّالأبيض أو الفيل الورديّ ، عندما يُطلب من النّاس بشكلٍ واضحٍ وصريح عدم التّفكير في الفيلة الورديّة أو الدّببة القطبيّة البيضاء ، فمن المرجّح أنّ يفكروا في هذه الحيوانات بالذّات، ومن ثمّ فإنّ ما يسمى بـ مشكلة الدّبّ الأبيض تجسّد كيف أنّ المحاولة المُتعمّدة لقمع الأفكار غير المرغوب فيها أو المتطفّلة تجعلها أكثر عرضةً للبقاء في قمّة اهتماماتنا.

في الثّمانينيّات من القرن الماضي ، قاد دانيال فيجنر سلسلةً من التّجارب مدّة كلّ منها 5 دقائق، تمّ فيها توجيه المشاركين لعدم التفّكير في دبّ أبيض - وكان عليهم دقّ الجرس الموجود أمامهم في حال فعلوا ذلك، ومن المضحك في الأمر، أنّه كلّما حاول الأشخاص عدم التّفكير في الدّبّ الأبيض عنوةً كلّما كان عليهم في كثيرٍ من الأحيان قرع الجرس !

الدّببة القطبيّة ومفارقة قمع الفكر

بعد إثبات التّأثيرات المتناقضة لقمع الفكر، طوّر فيجنر نظريّته العمليّات السّاخرة للسّيطرة العقليةّ (1994) التي تصف ظاهرة الأفكار غير المرغوب فيها التي من المرجّح أن تظل في صدارة الذّهن عندما يحاول شخصٌ ما جاهداً قمعها.

وتمّ البحث عن أفضل طريقة للتّغلّب على مشكلة الدّب الأبيض المتناقضة والتّحكّم في الأفكار غير المرغوب فيها.

تشير دراسةٌ جديدة ٌبعنوان إذا لم تدعها تدخل ، لا يتعيّن عليك التّخلّص منها ، أنّ التّفكير الاستباقيّ هو أفضل طريقةٍ للسّيطرة على الأفكار غير المرغوب فيها. نُشرت هذه الورقة (Fradkin & Eldar ، 2022) في 14 يوليو في مجلة PLOS Computational Biology

السّؤال البحثي لهذه الدّراسة: كان هل يمكننا منع فكرةٍ غير مرغوبٍ فيها من أن تتبادر إلى أذهاننا؟ وبالمثل كيف يمكننا تجنّب اتخاذ إجراءات ٍغير مرغوبٍ فيها؟ للإجابة على هذا السّؤال ، قام إسحاق فرادكين وإيران إلدار بتجنيد 80 بالغاً للمشاركة في تجربة الارتباط الحرّ التي تمّ خلالها توجيههم لتجنّب تكرار ارتباطات كلماتٍ معينّةٍ بعد إعطائهم إشارات ٍلفظيّة.

باستخدام التّحليل الحسابيّ، قارن الباحثون فاعليّة التحّكمّ المعرفيّ التّفاعليّ مقابل التحّكّم المعرفيّ الاستباقيّ، ووجدوا أنّ الأخير أكثر فاعليّةً في التّحكّم في التّفكير غير المرغوب فيه.

الفرق بين التّحكّم المعرفيّ التّفاعليّ والاستباقيّ

عادةً ما يتضمّن التّحكّم المعرفيّ التّفاعليّ رفض الفكرة واستبدالها لكن بعد وصولها إلى الوعي، في المقابل يتضمّن التّحكّم المعرفيّ الاستباقي على منع فكرةٍ غير مرغوبٍ فيها أصلاً من أن تتبادر إلى الذّهن قبل أن تترسّخ وتبدأ في السّيطرة على وعي شخصٍ ما كجزءٍ من حلقة التفّكير.

ومن الجدير بالذّكر ، استناداً إلى مفارقة الدّبّ الأبيض في قمع الفكر ، أنّ عقدة التّحكمّ الاستباقيّ في التفّكير هي أنّك إذا حاولت عن وعي قمع فكرة معيّنة ، فعليك أن تفكّر في ما تقوم بقمعه ، ممّا يجعله في مقدّمة الأفكار التي تتبادر إلى ذهنك.

على الرغم من أنّه من الممكن نظريّاً منع الأفكار غير المرغوب فيها من الدّخول إلى الوعي، إلّا أنّه ليس بالأمر السّهل، تعالوا معي نتعلّم هذه التّقنيّة:

إتقان فنّ التّحكّم الإدراكيّ الاستباقيّ

على الرّغم من أنّ فرادكين وإيلدر لا يعطيان نصائح محدّدة لتحسين قدرة المرء على منع الأفكار غير المرغوب فيها من أن تتبادر إلى الذّهن بشكلٍ استباقيّ، إلّا أنّه قد تمّ تطويربعض الحيل للتّغلب على الآثار المتناقضة لقمع الفكر خلال السّنوات الماضية .

قد يمضي بعضنا سنواتٍ من عمره في محاولة التّحكّم في أفكاره في حياته اليوميّة وخاصّةً في خضمّ الأحداث الصّعبة وبالنّتيجة فقد تبيّن أنّ إنفاق الطّاقة العقليّة في محاولةٍ لقمع الأفكار غير المرغوب فيها وخلال حياتنا وخاصّةً أثناء اللّحظات الصّعبة يستنزفنا ويجعل من الصّعب إنشاء حالات تدفّق انسيابيّة في التّفكير تساعدنا على تحسين أدائنا.

وعليه وبناءً على التّجارب الحيّة، فقد تبيّن أنّ مفتاح استباق التّفكير الفعّال هو إعطاؤه لمسةً خفيفةً، وعدم محاولة إخضاع الأفكار غير المرغوب فيها ببذل جهدٍ كبيرٍ حتّى لنبدو وكأنّنا في صراعٍ معها فتزيد نتيجةً لمقاومتنا لها. استناد ًإلى نظريّة العمليّة السّاخرة لـ ويجنر، فإنّه من المسلّم به أنّه في أيّ وقت ينشغل عقلك بقمع فكرةٍ معيّنةٍ ، فإنّك ستفكر في الأمر أكثر، لذلك عليك أن تكون خبيثاً قليلاً لكن ببراعة تتفوّق فيها على نفسك باستخدام مزيجٍ من الوظائف التّنفيذيةّ والخيال!

سوف أصف لكم بعض التّصوّرات البسيطة التي يمكن أن تمنع بشكلٍ استباقيّ الأفكار غير المرغوب فيها من التّكرار وقد أثبتت هذه الطّريقة التي سأسردها الآن جدواها كأفضل طريقة ٍللتّغلّب على الأفكار المتطفّلة دون الإفراط في التّفكير في محاولاتٍ لقمعها وهي كالآتي تخيّل الأفكار (الإيجابيّة) المطلوبة وكأنّها مغطّاة بغراء فائق الفاعلية، ممّا يجعلها تلتصق بقشرة الفصّ الجبهي بقوّة، على الجانب الآخر تخيّل الأفكار غير المرغوب فيها (السّلبيّة) مغطّاة بمادّة زلقة ومزينّة بالفازلين ، ممّا يجعلها زلقةً للغاية. هذا التّصور يجعل من الصّعب على الأفكار غير المرغوب فيها التّمسّك أو الاستيلاء على مقرّ لها في مقدّمة عقلك والاستقرار فيه.

عند تصفية الذّهن بشكلٍ استباقيّ من فكرة ٍغير مرغوب فيها ، لا تحاول إبعادها بالقوّة، بدلاً من ذلك ، اقبل أن ّالأفكار غير المرغوب فيها ستظلّ تطفو دائماً في رأسك ولا تضيّع الطّاقة العقليّة في محاولةٍ لمنعها أو مقاومتها من التّطفّل على الإطلاق، فإذا ظهرت لك فكرةٌ غير مرغوبٍ فيها فوراً قم بدفعها بعيداً عن كونها محور انتباهك وفكّر في شيءٍ آخر.

تعالوا نفكّر بالأمر كالآتي ،إذا تمكنّت من منع فصوص دماغي الأماميّة من الانغماس في فكرةٍ غير مرغوب فيها لبضع ثوانٍ ، فسوف تذوب تدريجيّاً في خلفيّة الوعي وتنزلق بعيداً.

عندما ألاحظ فكرةً غير مرغوبٍ فيها تتسلّل في الأفق أو تتدلّى في محيط عقلي ، فإنّني أرخي جفوني ، وبدون ممارسة الكثير من التّحكّم العقلي الصّارم ، أتخيّلها تنزلق بعيداً. عندما أشعر أنّ تلك الأفكاربدأت تتلاشى خلف الوعي ودون أن يفوتني أيّ إيقاعٍ وببراعة الرّاقص الحذر أعيد تركيز انتباهي بسرعةٍ على شيءٍ آخر أحبّه ولا أعطي الفكرة غير المرغوب فيها ملي ثانية أخرى من الاجترار.

بمجرّد أن تقرر عدم السّماح للفكر المتطفّل بأخذ مساحةٍ كبيرةٍ من الدّماغ ، إذا دخلت الفكرة غير المرغوب فيها في الوعي ، فلا تنزعج أو تصاب بالذّعر ؛ بدلاً من ذلك ، اجعلها زلقة واتركها تذهب بلا مبالاة دعها تمرّ خلالك فقط دون مقاومة. إن تبنّي سياسة \دعه يعمل أو Que será ، será (ما سيكون ، سيكون) يجعل الأفكار غير المرغوب فيها عندما تبدأ في الظّهور مجرّدة من قوّتها الحلقية لأنّك لا تفكّر فيها لفترةٍ طويلة. وفي الختام إليك هذه النّتيجة عند انتهائك من قراءة هذا المقال لتكن كالحلقة في أذنك: كلّما حاولت قمع فكرةٍ ما بالقوّة ، كلّما أصبحت أكثر إزعاجاً ، والمفارقة هنا أنّه يصبح من الصّعب قمعها.

يتطلّب التّحكّم الاستباقيّ في التّفكير الذي لا يستسلم لـ مشكلة الدب الأبيض بعض البراعة والمثابرة وعند ممارسة التّحكم المعرفي الاستباقي ، احتفظ بـ نظريّة العمليّة السّاخرة ليجينر بشكلٍ أساسيّ ولا تفرط في مقاومة أفكارك غير المرغوب فيها بل دعها تمرّ من خلالك بسلامٍ وكأنّك مجرّد طريقٍ ينقلها دون التّأثر بها قيد أنملة.