ثلاث طرقٍ لتحديد أين ينتهي الحبّ وأين تبدأ السّميّة في العلاقة

10 دقيقة للقراءة

––– مشاهدة

Hands holding

أن تحبّ شخصاً ما فهذا يعني في الأعراف المجتمعيّة أن تتقبّله تماماً بكلّ ما فيه من صفاتٍ، ويشمل ذلك ما تعتبره أنت عيوباً على صعيدك الفرديّ، أو عيباً مصنّفاً على المستوى الاجتماعيّ.

وبات هذا تعريفاً شائعا ً للحبّ على مرّ السّنين، وأصبحت السّلوكيّات والطّقوس والرّموز في أيّة علاقةٍ مرادفةً لهذه الفكرة الشّاملة للرّابطة الأبديّة كما في مؤسسة الزّواج.

ومع ذلك ، فإنّ مثل هذه النّظرة الثّنائيّة الصّارمة لمفهوم الحبّ يمكن أن تجعلنا نتجاهل مناطقها الرّماديةّ العديدة، حيث نبدأ في الانغماس في السّلوك الذي يضرّ بنا والسّماح للسّلوك الذي هو من الواضح تماماً أنّه السّبب الأساسيّ في المشكلة بالظّهور.

لقد أثبتت الدّراسات الاجتماعيّة النّفسيّة أنّ الحبّ بتعريفه الأكثر وضوحاً والأوسع معنىً يختلف بشكلٍ كبيرٍ عن الطّريقة التي عالجه بها الفن في الأفلام والكتب والرّوايات والمسلسلات والأغاني، و فيما يلي ثلاثة أخطاءٍ شائعةٍ يرتكبها النّاس عندما ينظرون إلى علاقاتهم بشركائهم بشكلٍ صارم ٍللغاية ضمن الإطار العام للتّعريفات الشّائعة التي يكرّسها المجتمع والأهل:

1) أنت سريعٌ جداً في تقديم التّضحيات من أجل شريك حياتك

نعم ، التّضحية أمرٌ لا مفرّ منه في معظم العلاقات، ونعم ، إنّه لأمرٌ مشرّف ٌأن تكون الطّرف الذي يحافظ على العلاقة، لكن هل هذا الأمر ضروريّ ٌدائماً؟ هنا عليك أن تسأل نفسك!

تشرح عالمة النّفس فرانشيسكا ريجيتي الأمر كالآتي:

إنّه لشرف ٌبالتّأكيد أن تنحّي جانباً المصلحة الشّخصيّة للحفاظ على شريكك أو علاقتك ضمن الحدود المقبولة ومع ذلك ، يُظهر بحثنا أنّ هناك عواقب غير جيّدة لكلّ من المانح والمتلقي.

يعني على الشّريكين.

ووفقًا لبحث ريجيتي، هذا ما تبدو عليه العواقب غالبًا:

أوّلاً: يعاني المانحون من إحساسٍ برفاهيّةٍ أقل ، حيث تتطلّب التّضحيات منهم التّخلّي عن تفضيلاتهم وأهدافهم، وهذا يجعل التّضحية سلوكاً اجتماعيّاً مكلفاً للغاية على الصعيد النفسي.

ثانياً: وفي الجانب الآخر يُترك المتلقّون مع مشاعر مختلطة، فمن ناحيةٍ يشعرون بالامتنان والحب ّوالقبول تجاه التّصحية التي قدّما شركاؤهم، و لكنهّم من ناحيةٍ أخرى يشعرون أيضًا بالذّنب والمديونية تجاههم.

وعلى اعتبار أنّ التّضحية لها هذا التأّثير على كلا الشّريكين في العلاقة ، فمن المرجّح أن تعاني النّساء من انخفاض مستوى الرّفاهية بعد التّضحية أكثر ممّا هو عليه الحال عند الرّجال لأنّ التّضحيات غالبًا ما يُنظر إليها في معظم المجتمعات على أنّها واجبٌ عليهن بدلاً من كونها اختيارٌ حرٌّ لهنّ، هذا يعني أنهنّ قد يواجهن بشكلٍ خاصّ تكاليف التّضحية، ولكن القليل جدّاً من فوائدها.

ولتجنّب تضحية الألم التي يمكن أن تكون أنت سببها في العلاقة، تنصح ريجيتي الشّركاء باتباع هاتين الخطوتين:

غيّر ما تركز عليه

إذا ركزت على ما فقدته بعد التّضحية التي قدّمتها، فمن المرجحّ أن تعاني من انخفاض مستوى الرّفاهية الشّخصيّة والرّضا عن العلاقة، لذلك حاول أن تنظر إلى الجانب المشرق من التّضحية أي إلى ثمار أو نتائج التّضحية (على سبيل المثال، مدى سعادة الشّريك أو ما يمكنك تعلمّه من هذه التّجربة، أو الشّعور بالفخر لكونك شخصًا كريمًا).

أعد النّظر في الحاجة إلى التّضحية

في بعض الأحيان تكون التّضحيات ضروريةّ للحفاظ على العلاقة، ومع ذلك هناك أوقات يمكننا فيها تجنبها من خلال خطط الطوارئ وقليل من التّعديل، على سبيل المثال: يعتبر الانتقال للعيش في بلد ٍآخر لدعم المسيرة المهنيّة للشريك أمراً صحيحاً ، لكن بالمقابل التّضحية بعطلتك الأسبوعيةّ لمرافقة شريكك إلى منزل والديه عندما لا ترغب في ذلك قد يكون غير ضروريّ.

2) أنت متساهل جدًا في ترك الأمور تسير دون العناية بشعورك تجاهها

في بعض الأحيان قد يتصرّف أحباؤنا بطريقة ٍغير أخلاقيّة / أو قد تكون مؤذيةً لمشاعرنا. تتطلّب هذه المواقف منّا عادةً أن نكون صادقين تمامًا معهم ومع أنفسنا - ولكن من الممكن أن نفشل في القيام بذلك لأنّنا نحبهم.

توضّح عالمة النّفس راشيل فوربس من جامعة تورنتو في كندا تقول:

عندما يتصرّف شخصٌ قريب ٌمنّا بشكلٍ غير أخلاقيّ ، فإنّنا نواجه تضاربًا بين التّمسك بقيمنا الأخلاقيّة والحفاظ على علاقتنا

توصّل بحث فوربس إلى أنّ الأشخاص غالبًا ما يواجهون تناقضًا عميقًا عند الاستجابة لأفعال شخصٍ مهمّ في حياتهم بطريقة ٍغير أخلاقيّة ٍ- ربمّا لأنّنا نميل كبشرٍ إلى مشاركة إحساسنا بالهوية مع أحبائنا،ولهذا التّناقض تكاليف ذات شقيّن سنوضّحما الآن:

أ) كنتيجةٍ ثانويّةٍ للتّساهل ، يبدو أنّ الذّات تتحمّل بعض العبء من سوء السّلوك الممارس من قبل الشّريك - كالشعور بالحرج و الخجل والذّنب تجاه أفعال الشّريك

ب) أيضاً قد ينغمس الآخر وأقصد هنا الشّريك الذي تعتبر وجوده مهمّاً في حياتك في السّلوك مرارًا وتكرارًا لأنّه لا يتم لفت نظره إلى مدى التّأثير السّيّء الذي يسببه لشعورك، ممّا قد يصبح سببًا شديدًا للقلق في هذه الحالة من العلاقة.

وبالنّسبة للأشخاص الذين قد يعانون من التّعامل بصدقٍ بشأن سوء سلوك أحد أفراد أسرتهم ،فإن فوربس لديها النّصيحة التالية:

من الصّعب التّوفيق بين التّناقض الذي نشعر به عند مواجهة السلّوك السّيئ للآخرين المقرّبين لذلك فعند مواجهة سلوكٍ غير أخلاقيّ لشخصٍ عزيز فمن المهم التفّكير في قيمنا الأخلاقية الشّخصيّة وما إذا كان الفعل نفسه يتناسب مع تلك القيم أم لا

3) علاقتك مبنية على المنفعة

عادةً ما نختار أن نكون في علاقةٍ طويلة الأمد مع شخصٍ ما إذا كناّ في حالة حب ّمعه ومع ذلك وفي حالات ٍكثيرة ٍ ورغم أنّنا لا نرغب كثيراً بالاعتراف بذلك، هناك اعتبارات أخرى - مثل حالة الأسرة التي ينتمي إليها الشّريك، وكيف يمكنه مساعدتنا في تحقيق أهدافنا الخاصّة ، والامتيازات الماليّة والمادّيّة.

وعلى الرّغم من أن ّاعتبار شخص ما كمورد مفيد في حياتنا ليس خطأً تمامًا، إلاّ أنّه قد يمثل مشكلةً عندما يكون هو الأساس الذي بنيت عليه العلاقة. يشير عالم النّفس شيجينغ وانغ إلى هذا النّهج على أنّه منظور الوسيلة ، وهو بُعد من الأبعاد، أي النّظر إلى الشّخص على أنّه كائنٌ بموجب منظور الآليّة، فبمجرّد أن نتبنّى هذا النّهج ونهتم فقط في مدى فائدة هذا الشّخص لنا في تحقيق أهدافنا يتحوّل الشّخص الى أداة ويسقط الجوهر الذي هو العامل الأساسي في بناء أية علاقة طويلة الأمد.

يستشهد وانغ بسببين يجعلان هذا النهج ذو آثارٍ سلبيّةٍ على العلاقات :

أ) لن يكون هناك شريك مفيد إلى الأبد حيث يمكن أن تختلف أهداف الأشخاص اختلافًا كبيرًا خلال مراحل الحياة المختلفة، وبالتاّلي يمكن أن تختلف الأدوات التي يحتاجون إليها، بعبارةٍ أخرى ، على الرّغم من أنّ ب قد تساعد أ في تحقيق هدف ٍمعيّنٍ خلال فترةٍ زمنيّةٍ ما ، إلا أنّه من الصّعب على ب أن تكون مفيدةً بشكلٍ مستمرٍّ لـ أ ، وبالتّالي ، إذا أراد أ من ب أن يكون مفيدًا دائمًا سوف يشعر في النّهاية بخيبة أمل.

ب) ومن جهةٍ أخرى يمكن أن يوحي الشّريك المفيد لشريكه أنّه ليس لديه قيمة متأصّلة :

ولا يقدّم شيئاً بالمقابل إلى الطاولة بخلاف ما يمكنه فعله لمساعدتك في تحقيق هدف معيّن.

ووفقًا لوانغ ، فإنّ المعاملة القاسية وغير الودودة من الشّريك في هذه الحالة تكون أمراً في غاية السّوء ومن الصّعوبة بمكان تقبّلها من الطّرف الآخر.

وفي حال كنت تشعر أنّ شريكك ينظر إليك من منظورٍ منفعيّ فقط ، فمن المهمّ أن تعرف أنهّ ليس خطؤك ويجب ألا تدعه يؤثرّ على احترامك لذاتك

،إذ عليك أن تدرك أنّ معظم النّاس مدفوعون بأهدافهم وقد يسيئون وهم في طريقهم لتحقيقها الى أقرب الأشخاص الموجودين في حياتهم واقصد هنا أنهّ قد تكون أنت هذا الشّخص ، الأمر الذي قد يخلق صعوبةً في استمراريّة العيش مع هؤلاء الشّركاء ممّا يقدمونه من إساءاتٍ قد تطال وتسيء حتّى الى العلاقة الحميميّة بينكما.

في مثل هذه الحالة يُنصح ببدء محادثةٍ صادقةٍ مع شريكك أو أحد أفراد أسرتك أو أيّاً كان الشّخص الذين تربطك به علاقةً هامّةً عليك النّظر بجدّيّةٍ إلى الصّحة العقلية في مثل هذا السّيناريو لأنهّ يمكن أن يؤثّر بشكلٍ مباشرٍ على رفاهيتك وصورتك الذاتية.

استنتاج

إن ّوجود شريك ٍيتمسّك بك في السّراء والضّراء هو نعمة عليك شكر الله عليها كلّ يوم. لكن هذا لا ينفي أبداً أنّه من واجبك تجاه نفسك أن تتحقّق باستمرار من نفسك وتقيّم علاقتك بصدقٍ للتّأكّد من أنّها لا تتحوّل إلى سجنٍ بدلاً من أن تكون ملاذاً لك.